ابرة الماكينة الصغيرة .
 
 
 
لما وَجَدت الإبرةُ الصغيرةُ نفسَها في المَجر قالت : أينَ أنا ؟! فأجابَتها إبرةٌ كبيرةٌ في نفسِ المَجر : في مَجرِّ الماكِنة .
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
رَدَّت الإبرةُ الصغيرة : وماذا سنَفعَل ؟ قالَت الإبرةُ الكبيرة : نَنتَظِرُ ، حتّى تَمتدَّ إلَينا يدُ الخَيّاطة ، وفي ذلك الوقتِ نَنتَقِلُ إلى نهايةِ الماكِنة ، لِنَدُقَّ وندُقَّ إلى الأسفَل ، حتّى نُكمِلَ خِياطة ثوبٍ أو سِروالٍ أو قميص .
 
ثمّ اقَتَربَت الكبيرةُ مِن الصغيرة ، وقالت لها : تَعالَي والمُسِي نِهايتي المُدَبَّبة ، لَمَسَت الإبرةُ الصغيرةُ نهايتَها فوَجَدتها حادّة ، فصاحت : آي !! إنّها حادّةٌ كثيراً ومُؤلمة !! .
 
رَدَّت عليها الإبرةُ الكبيرة : إنّها كذلك لأنّها خاطَت الكثيرَ مِن الملابسِ للناس .

ففكَّرت الإبرةُ الصغيرةُ قليلاً ثم قالت : لكنّي لا أوَدُّ أن تكونَ نهايتي مِثلَ نهايتِك ، حتّى لا تكونَ مُتَوحِّشةً ومُؤلمة .
ضَحِكَت الإبرةُ الكبيرة وقالت : إنّها لا تكونُ مُتَوحِّشَةً ومُؤلمةً إلاّ في يَدِ مَن لا خِبرةَ له في الخِياطة .
 
 
 
 
 

فقالَت الإبرةُ الصغيرة ، بعد تفكيرٍ طويل : على أيِّ حال ، أنا لا أوَدُّ أن أكوَن كذلك ، فإنَّهُ مِن الصَّعبِ علَيَّ أن أهبِطَ وأصعَد ، وأظلَّ أهبِطَ وأصعَدَ طِيلةَ أيّامٍ كثيرة .
ثمّ صَمَتَت الصغيرة وظَلَّت الكبيرةُ صامِتةً أيضاً .

وراحَت الإبرةُ الصغيرةُ تَتخيَّلُ جِسمَها الصغيرَ يَعلُو ويَهبِط ، ويَعلو ويهبط ، حتّى يتكسَّرَ ، وتَتَطايرَ أجزاؤه .

وبينما الإبرةُ الصغيرةُ في هذا الخيال امتَدَّت يدُ الخيّاطةِ إلى المجر ، وجَذَبَت الإبرةَ الصغيرة ، فصاحَت هذهِ الإبرة : لا أرغَب ، لا أرغَب ، لكن الخيّاطةَ وضَعَتها في مكانِها ، وهي تَبتسِم .

ورأت الإبرةُ الصغيرةُ خَيطاً أبيضَ يَمتدُّ في الثَّقبِ الموجودِ قربَ رأسِها ، صاحت : ما هذا ؟! ما هذا ؟! أنا لا أُريدُ أن يَمُرَّ برأسي أيُّ خَيط ، ولا أريدُ أن .. في تلكَ اللحظة شَغَّلَت الخيّاطة الماكنة ، وفجأةً رأت الإبرةُ الصغيرةُ أنّها بَدأت تَعلو وتَهبِط بسُرعةٍ عجيبة .

فراحَت تَصيح ومَدَّت ذَنَبَها لِتجرَحَ إصبَعَ الخيّاطة ، لكنّ الخيّاطة كانت ماهِرة ، فلم تَقدِر الإبرةُ أن تُؤلمَها .

وظَلَّت الإبرةُ تَصرخ : سأتَمزَّق ، سأتَمزَّق ، سأ.. ولم تستطعْ أن تُميِّزَ نفسَها خلالَ سُرعةِ الصُّعودِ والهُبوط ، وبعد قليلٍ أحَسَّت أنّها بَدأت تَستأنِسُ كثيراً في هذا الصُّعودِ والهُبوط .

وفي الأخيرِ ، وَجَدَت الإبرةُ الصغيرةُ أنّها قد خاطَت قميصاً صغيراً وجميلاً ، فَرِحَت الإبرةُ كثيراً لمّا رَأتِ القميصَ الجميل ، وتَمَنَّت أن تَظَلَّ تَشتَغِلُ وتَشتَغِلُ ليلاً ونهاراً .
 
 
 
 

لكنّ الخيّاطةَ قالَت مُبتَسِمَة : سَنَستَريحُ قليلاً .
 
 
 
 
   
 
 

الفئة: قصص | أضاف: awateef (2012-أوكتوبر-02)
مشاهده: 915 | الترتيب: 0.0/0
مجموع التعليقات: 0
الأعضاء المٌسجلون فقط يٌمكنهم إضافة تعليقات
[ التسجيل | دخول ]